◄روي عن النبي (ص) قوله: (الكلمة الطيبة صدقة، وكلّ خطوة تخطوها الى الصلاة صدقة)، الكلمة هي الأداة والواسطة التي يتعامل من خلالها الناس ويتفاهمون، فهي أداة نقل الأفكار إلى الآخرين وما يريده الإنسان منهم. لذا كانت الكلمة هي الوسيط في التفاعل الاجتماعي، وبناء الثقافة والحضارة والمعرفة، ومعظم العلاقات بين الناس. والإنسان يعبّر بالكلمة عن موقفه تجاه القضايا والاشياء والناس والآخرين.. لذا كانت الكلمة أداة هدم وبناء. والإنسان يتعامل مع الآخر ويفهمه ويقيّمه من خلال ما يسمع منه من كلمة. بل ويعتبر الكلمة معبرة عن الذات وكاشفة عن محتواها. وما أجمل قول الإمام علي (ع) (تكلموا تعرفوا). فالذي يطلق الكلمة الطيبة التي تشيع الخير والمعروف، وتؤلّف القلوب، وتصلح بين الناس وتنشر العلم والمحبة والاحترام والسلام.. انما يعبّر عن إرادته، ومحتوى ذاته.. فكم من نفس مليئة بالحزن والخوف والألم، وكم من نفس مليئة باليأس والإحباط، أو الشعور بالاحتقار وعدم الاهتمام والإهمال.. وكم من نفس مليئة بالحقد والغيظ والانتقام.. فتأتي الكلمة الطيبة دواء وعلاجاً لهذه النفوس ونفحة حب وسلام، تزرع فيها الشعور بالاحترام والثقة والمحبة والأمل.. وتفتح أمامها افقاً مضيئاً.. وتُنسي ما كان مؤلماً.. لاسيما إذا صدرت من أناس يتمتعون بالمكانة الاجتماعية، والقدرة على التأثير، أو يحظون بالاحترام.. كالآباء والمعلمين والأزواج والمسؤولين ووجهاء المجتمع.. الخ.
ان الكلمة الطيِّبة تبني الدولة والأسرة والمجتمع المتحاب والمتفاهم والمتعاون الذي يحل مشاكله بالكلمة والحوار والتفاهم. يقابل الكلمة الطيبة.. الكلمة الخبيثة التي تزرع الحقد والكراهية والكفر والفساد والعدوان والنفور.. أو تنال من الآخرين: كالغيبة والكذب والبهتان والنميمة والسباب والتخاذل والخ.. وجاءت هذه المقابلة بين الكلمتين.. الطيبة والخبيثة، واعتبرها القرآن مثلاً للتذكر والوعي والفهم.. جاء هذا المثال والتصوير في قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (٢٤) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (ابراهيم/ 24-25). وإذا كانت الكلمة الطيبة صدقة.. فان السير الى الصلاة في المساجد صدقة.. صدقة على النفس.. وصدقة على الاخرين.. فالصلاة قربان المؤمن، وعماد دينه وعلاقته بخالقه، والمنقذ له.. والصلاة بعد ذلك تنهى عن الفحشاء والمنكر.. لذا فهي صدقة على النفس، كما هي أيضاً صدقة على الآخرين؛ لأنها تأتي بالخير والمعروف والإحسان لهم وتكف الشر عنهم.. فان هذا المصلي يكون قد تصدق عليهم بمعروفه وإحسانه، وكف الاذى عنهم بصلاته وروحانيته.. كما تصدق على نفسه بطاعته لله تعالى.
وما اجمل القول الصادر عن احد ائمه اهل البيت (ع) عندما تحدث عن الصلاة بما مضمونه: (ان الصلاة تبدأ عندما تنتهي).. أي انّ الصلاة تتحقق بآثارها التعبدية والسلوكية الطيبة التي تحدثها في نفس المصلي (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُو) (العنكبوت/ 45).
فالمجتمع البشري كالجسم البشري.. يصح ويمرض.. وتنتشر فيه مظاهر الفساد والخراب.. وتبدأ فردية.. ثم تزداد وتنمو فتتحول إلى ظاهرة.. ثم تستشري تلك الظواهر الهدامة فتنخر جسم المجتمع وتسقطه.. الإسلام يدعونا لإصلاح المجتمع ومقاومة مظاهر الفساد فيه.. وتتحرك آفاق الصدقة في أرجاء المجتمع فيعتبر الرسول محمد (ص) الإصلاح بين الناس اذا تفاسدو صدقة.. إن المصلح يتصدق على الناس بما يقدمه لهم من جهد طوعي، يحل به مشاكلهم، ويصلح أوضاعهم راجياً وجه الله سبحانه؛ ليدفع عنهم الضرر والخلاف والعداوة والمنازعة، وليحل الوئام بدل الفرقة والخلاف، والإصلاح بدل الفساد.. ان المجتمع والأسرة والدولة ومؤسسات الحياة تحدث فيها المشاكل والخلافات والأزمات ويتسلل اليها الخراب والفساد، ولابد من إصلاحها.. والقرآن يدعو إلى الإصلاح ومحاربة الفساد.. الفساد العقيدي والاجتماعي والسياسي والمالي والأخلاقي والأمني... وإلخ. وهذا الحث النبوي على الإصلاح الاجتماعي.. واعتباره صدقة؛ لأنه جهد طوعي يتبرع به المصلح من وقته وجهده وإمكاناته وموقعه الاجتماعي، وربما من ماله ليقدمه الى الناس بقصد التقرب الى الله سبحانه.. لنقرأ النص النبوي الكريم، ولنتأمل بمضامينه، فانه يلقي الضوء على جانب هام من اهداف الرسالة الاسلامية.. وهي تطهير المجتمع من الفساد واقامة الاصلاح، وبناء جسور التقارب والتفاعل الاجتماعي البناء.. روي عن الرسول الكريم (ص) قوله: "صدقة يحبها الله: إصلاح بين الناس، إذا تفاسدوا، وتقارب بينهم، اذا تباعدوا" . فالدعوة ليس للإصلاح فقط، بل لاحداث التقارب والتفاعل الاجتماعي بين الناس اذا حصلت بينهم القطيعة والتباعد والاعتزال، فان هذه الظواهر وبال على المجتمع وخطر على حركة النمو والاستقرار والسلام فيه.. وبذلك يكتسب المجتمع الحيوية والفاعلية والحركية البنّاءة، وتعمر النفوس بالحب والتعاون بين الناس.►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق